الجمعة، 30 أبريل 2010

مخطوطات البحر الميت

مخطوطات البحر الميت 7-16

احمد عثمان

أثار الإعلان عن اكتشاف مخطوطات عبرية وآرامية قديمة بمنطقه قمران في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حماس الباحثين في تاريخ الكتب المقدسة، وراحوا ينتظرون العثور بينها على المعلومات التي يمكن أن تزيل الغموض عن مرحلة هامة من التاريخ الإنساني. ذلك أن أقدم نسخة عبرية موجودة الآن من كتب العهد القديم ترجع إلى القرن العاشر بعد الميلاد، وهى تتضمن اختلافات عديدة عن النسخة السبعينية اليونانية التي ترجمت في الإسكندرية خلال القرن الثالث قبل الميلاد. أيهما أكثر صحة عند الاختلاف؟ و أيهما يمكن الاعتماد عليه؟ ولا يتوقف الأمر على الجماعات اليهودية، فإن الكنائس المسيحية تعتبر العهد القديم جزءا من كتابها المقدس، وبينما كان المسيحيون حتى القرن العاشر يستخدمون الترجمة السبعينية اليونانية فهم قد تحولوا عنها- باستثناء الكنيسة اليونانية- إلى ترجمة النسخة العبرية منذ القرن العاشر.

كما أن المعلومات التي وصلتنا عن السيد المسيح جاءت كلها من كتابات كتبت بعد نصف قرن من الوقت الذي حددته لوفاته. وليس هناك نص واحد- ولو صغير- جاء فيه ذكر المسيح في المصادر التاريخية المعاصرة للفترة التي قيل إنه عاش فيها، بليجعله فيلعهد الجديد نفسها- وهى المصدر الوحيد عن تاريخ يسوع- تعطينا معلومات متضاربة في شأن حياته، ومماته فبينما يذكر إنجيل متي أن مولده كان أيام حكم الملك هيرودوس، الذي مات في العام الرابع قبل الميلاد، فإن إنجيل لوقا يجعل مولده في عام الإحصاء الروماني، أي في العام السادس بعد الميلاد. والخلاف قائم كذلك على تمديد الوقت الذي انتهت فيه حياته الأرضية " فبحسب ما ورد في الأناجيل من معلومات، هناك من يجعله في العام الثلاثين أو في العام الثالث والثلاثين أو السادس والثلاثين.

و بينما كان الاعتقاد سابقا بأن كتبة الأناجيل كانوا هم أنفسهم من تلاميذ المسيح وحوارييه الذين عاصروه وكانوا شهودا على ما كتبوه من معلومات، فقد تبين في العصر الحديث أن أحدا منهم لم يره، وأنهم جميعا اعتمدوا في رواياتهم على ما سمعوه عن آخرين أو ما فسروه من الكتابات القديمة.

و على هذا فإن العثور على كتابات قديمة، سابقة ومعاصرة للفترة التي عاش فيها المسيح عيسى، وفى منطقة لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عن مدينة القدس التي قيل إنه مات فيها، قد أنعشى الآمال في وجود معلومات بها تحل هذه الإلغاز وتبين حقيقة الأمر في تاريخ مؤسس الديانة المسيحية، وعلاقته بالجماعات اليهودية الموجودة في عصره، وزاد الحماس عندما تم نشر الأجزاء الأولى من المخطوطات في الستينات، وتبين أنها تنتمي إلى جماعة يهودية/ مسيحية تعرف باسم العيسويين، وانه كان لهم معلم يشبه في صفاته عيسي المسيح. إلا أن الحماس الذي سار بين الباحثين والقراء قابله قلق وخشية من جانب السلطات الدينية- وما يتبعها من هيئات أكاديمية- لدى كل من الطوائف اليهودية والمسيحية وليست دواعي هذا القلق تتعلق بالخوف من أن المعلومات المكتشفة قد تؤدى إلى إضعاف إيمان المؤمنين، فهذه كتابات دينية قديمة، وإنما ساد القلق بسبب ما قد تكشفه هذه النصوص من تغيير وتبديل- ليس فقط في حقائق التاريخ القديم- و إنما في تفسير النصوص الدينية وفى مغزاها كذلك. ولهذا فمنذ ان استولت السلطات الإسرائيلية على مدينة القدس القديمة بعد حرب يونيو 1967 توقفت لأعمال نشر المخطوطات تماما، ولا يزال هناك ما يزيد عن نصفها غير منشور بل إن السلطات الإسرائيلية في محاولة منها لإسكات الأصوات التي ارتفعت في العالم كله- وكانت أقواها لصوت الباحثين اليهود أنفسهم- قد عمدت إلى القيام بتمثيلية مرسومة للتخلص من هذا الإلحاح، فقد أرسلت سلطات الآثار الإسرائيلية صورا فوتوغرافية، زعمت أنها تمثل كل المخطوطات المجودة في متحف روكفلر بالقدس، إلى جامعة أكسفورد البريطانية وكذلك إلى إحدى الجامعات الأمريكية، وتظاهرت السلطات الإسرائيلية بالغضب والاحتجاج عندما قامت هذه الجامعات بترجمة ونشر الصور التي في حوزتها، بدون تصريح رسمي من إسرائيل.

و كان الهدف من هذه التمثيلية هو الإيحاء بأن كل نصوص المخطوطات قد تم ترجمتها ونشرها، ولم يعد هناك مبرر لمطالبة السلطات الإسرائيلية بالكشف عما في حوزتها من كتابات. ومن المؤكد أن هناك بعض النصوص وبعض القصاصات التي لم تترجم بعد، والتي يراد لها الاختفاء تماما في ذاكرة النسيان مرة أخرى، إلا أن الجزء الذي كان قد نشر في البداية " يكفي كي يبين لنا طبيعة الأسرار التي يحرص البعض على عدم الكشف عنها، وهذا هو ما سنقوم به في هذه الحلقات.

يطلق اسم (مخطوطات البحر الميت) على مجموعات المخطوطات القديمة التي تم العثور عليها في ما بين 1947 و 1956 داخل كهوف الجبال الواقعة غربي البحر الميت، في مناطق قمران ومربعات وخربة ميرد وعين جدى ومسادا. وكان العثور خاصة على منطقة قمران- أو عمران- بالضفة الغربية للأردن، على بعد عدة كيلومترات جنوبي مدينة أريحا منذ ما يقرب من نصف قرن أثر عميق على تفكير الباحثين اليهود والمسيحيين في العالم كله، أدى بلا شك إلى تغير كبير في العديد من الاعتقادات التي كانت قائمة في فلسطين، و مع هذا فنحن لا نزال في بداية الطريق، ولن تظهر النتائج الكاملة لاكتشاف مكتبة قمران إلا بعد أن تنشر كافة النصوص وتظهر دلالاتها الدقيقة أمام الباحثين.

لم تكد الحرب العالمية الثانية تنتهي، عندما تم العثور على الكهف الأول في ربيع 1947 بالقرب من البحر الميت، وكانت فلسطين لا تزال تحت الحماية البريطانية وما تزال مدينة القدس والضفة الغربية في أيدي الفلسطينيين. فقد أضاع الصبي محمد ا الديب إحدى الماعز من قطيعه، وكان ينتمي إلى قبيلة التعامرة التي تتجول في المنطقة الممتدة بين بيت لحم والبحر الميت. وصعد الصبي فوق الصخر باحثا على معزته، فشهد فتحة صغيرة مرتفعة في واجهة سفح الجبل، وعندما ألقى محمد بحجر داخل هذه الفتحة سمعها تصطدم بمادة فخارية في الداخل، فأعاد الكرة وألقى بعدة أحجار أخرى، وكان في كل مرة يسمع ذات الصوت الذي يحدث عند ارتطام الأحجار بالفخار. عند هذا تسلق محمد سفح الجبل و أطل برأسه داخل الكوة، واستطاع في ظلام الكهف أن يشاهد عددا من الأوعية الفخارية مصفوفة على أرضية الكهف. وفى صباح أليوم التالي عاد محمد ومعه أحد أصدقائه إلى موقع الكهف، الذي ساعده على الصعود إلى الكوة و الدخول منها إلى الكهف، الذي عثر بداخله على عدة أوعية فخارية بداخلها لفافات تحتوى علي سبع مخطوطات.

و سرعان ما ظهرت المخطوطات معروضة للبيع عند تاجر للأنتيكات في بيت لحم عرف باسم كاندو، الذي باعها لحساب التعامرة، فقام مار أثاناسيوس صموئيل - رئيس دير سانت مارك للكاثوليك السوريين - بشراء أربع مخطوطات بينما اشترى الأستاذ إليعازر سوكينوك الثلاث الباقية لحساب الجامعة العبرية بالقدس. ولما قامت الحرب العربية الإسرائيلية على أثر إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 في 15 مايو، خشي أثاناسيوس على مصير المخطوطات التي اشتراها، فأرسل المخطوطات الأربع إلى الولايات المتحدة لعرضها للبيع هناك إلا أنه في النهاية وافق على بيعها مقابل ربع مليون فقط، عندما اشتراها إيجال يادين - ابن الأستاذ سوكينوك - لحساب الجامعة العبرية في القدس. وهكذا أصبحت المخطوطات السبع الأولى في حوزة الجامعة العبرية الإسرائيلية.

و عندما تم إعلان الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل في 7 يناير 1949، أصبحت منطقة قمران والثلث الشمالي من منطقة البحر الميت تحت سيطرة المملكة الأردنية الهاشمية. وبدأ الأردنيون ينظمون عمليات أثرية للبحث عن المخطوطات، وكان التعامرة يحتفظون بموقع الكهف سراً لا يبيحون به لأحد، فتمكن الجيش الأردني من العثور على الكهف في نهاية يناير 1949.

بعد ذلك نظم ا لأردنيون عمليات تنقيب داخل الكهف، بإشراف هاردنج البريطاني، وكان يشغل مدير الآثار الأردنية، والكاهن رولآند دى فو، الذي كان مديراً للإيكول بيبليك دى فرانس بالقدس الشرقية. وعثر الأثريون على مئات القصاصات الصغيرة داخل الكهف ،إلى جانب قطع من الفخار والقماش والخشب ، ساعدت في تحديد تاريخ المخطوطات . إلا ان عمليات التنقيب الأثرية لم تبدأ في بقايا خربة قمران - التي تقع أسفل الكهف - إلا في نوفمبر 1951، حيث تم العثور على أطلال القرية القديمة التي عاش بها العيسويون وبها بقايا رومانية من بينها عملات نقدية، يشير تاريخها على ان هذا الموقع كان مسكوناً إلي ان قامت حركة التمرد اليهودية ضد الرومان في الفترة ما بين 66 و 70 ميلادية، والتي انتهت بحرق مدينة القدس وطرد اليهود من المنطقة المحيطة بها.

و طمعاً منهم في الحصول على الربح المالي، انتشر التعامرة في كل وديان البحر الميت بحثا عن مخطوطات أخرى قد تكون مخبأة في الكهوف العديدة الموجودة في هذه المنطقة الجبلية، وفى فبراير 1952 استطاع البدو العثور على كهف أخر به العديد من المخطوطات التي تحللت إلى قصاصات صغيرة، باعوها إلي السلطات الأردنية. واتبعت سلطات الآثار الأردنية نفس الطريقة التي اتبعها التعامرة في البحث داخل كهوف البحر الميت عن المخطوطات، وانتهي الأمر عام 1956 باكتشاف مجموعة من احد عشر كهفاً في منطقة قمران تم ترقيمها، وبينما عثر التعامرة على أربعة كهوف 1، و 4، و 6، و 11، فإن الآثار الأردنية عثرت على السبعة الباقية.

كان المار أثاناسيوس قد سمح للمدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية في القدس - وهي التي قامت بالتحقق من القيمة الأثرية للمخطوطات - بتصوير ونشر المخطوطات الأربع التي في حوزته، وبالفعل قامت ألمدرسه أولا بنشر صور لهذه المخطوطات ما بين 0 195 و 1 95 1، حتى تسمح للباحثين بالإطلاع عليها، ثم تبعت هذا بنشر ترجمة إنجليزية لها. كما قامت الجامعة العبرية بنشر صور المخطوطات اشث التي حصلت عليها مع ترجمة لها عام 1954.

أصبح الأب دى فو هو المسئول عن عمليات البحث الأردنية عن مخطوطات قمران، و بالتالي عن عمليات إعداد وترجمة ونشر النصوص التي عثر عليها، فأوكل قصاصات الكهف رقم 1 إلى " دومينيك بارثيلمى " و" ميليك " اللذين يعملان معه في الإيكول بيبليك دى فرانس، و بالفعل تم إعداد ونشر الترجمة الإنجليزية لها عن جامعة أكسفورد عام 1955. إلا أن الحكومة الأردنية قامت عام 953 1 بتشكيل لجنة عالمية من ثمانية باحثين - ليس بينهم عربي واحد - لتولى عملية إعداد المخطوطات ونشرها برئاسة دى فو، وحضر جميعهم من فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة والمانيا إلى القدس للعمل.

بعد ذلك تم عام 1961 نشرت ترجمة المخطوطات التي عثر عليها في كهوف منطقة مربعات ( جنوبي منطقة قمران ) التي ترجمها ميليك، في الجزء الثاني وتتضمن الجزء الرابع المزامير التي وجدت في الكهف رقم 11 عام 965 1، والجزء الخامس القصاصات التي عثر عليها في الكهف رقم 4 عام 1968.

وجدت كهوف في مناطق أخرى غير قمران، عثر بداخلها على مخطوطات قديمة، في مناطق الميرد في الجنوب العربي لقمران ومربعات في الجنوب الشرقي وماسادا، وهي القلعة اليهودية القديمة في المنطقة الخاضعة لإسرائيل في النصف الجنوبي للبحر الميت. فلم يكتف التعامرة بالتنقيب عن المخطوطات في منطقة قمران بل إنهم راحوا يجوبون كل المنطقة الجبلية المطلة على البحر الميت بحثا في كهوفها عن الكنز القديم. وفي أكتوبر 1951 عثر بدو التعامرة علي مخطوطات مكتوية بالعبرية وباليونانية في أحد الكهوف بوادي مربعات - حوالى15 كيلومترا جنوبي كهف قمران الأول -وعرضوها على السلطات الأردنية لشرائها وكذلك عثر التعامرة في نفس الفترة على بعض الكتابات المسيحية في منطقة الميرد القريبة من قمران، من بينها كتابات سريانية، كما قامت بعثة من الأثريين الإسرائيليين - بقيادة إيجال يادين - بالبحث من المخطوطات فيما بين 1963 و965 1، في بقايا قلعة ماسادا بالمنطقة التي تقع تحت سيطرتهم في الجنوب الشرقي من مدينة الخليل، وتم العثور على بعض المخطوطات هناك ولكن الذي يهمنا هنا هو مخطوطات منطقة عمران بالتحديد، التي تركتها طائفة العيسويين، وليس الكتابات اليهودية والمسيحية التي وجدت في باقي المناطق.

نشبت الحرب بين العرب وإسرائيل عام 1967، التي كان من نتيجتها سقوط الضفة الغريبة تحت السيطرة الإسرائيلية، وكذلك متحف القدس الذي به المخطوطات، ولم يفلت من هذا المصير سوي مخطوطة واحدة هي المخطوطة النحاسية لأنها كانت في عمان في ذلك الوقت، وتوقفت حركة النشر تماما بعد ذلك.

العثور في قمران على نماذج مختلفة من اسفار العهد القديم

مخطوطات البحر الميت

احمد عثمان

ص 27 - 36

كانت معظم الخلافات بين اليهود والمسيحيين الأوائل تتعلق بتفسير ما ورد في كتب العهد القديم، بخوص المسيح المنتظر. وبينما اعتبر المسيحيون أن ما ورد في كتب الأنبياء فيما يتعلق بعبد الرب وابن الإنسان و عمانوئيل والنبي خليفة موسى، إنما كانت كلها تتحدث عن عيسى المسيح وتبشر بقدومه، قال اليهود إنها تتعلق بشعب إسرائيل وخلاصه، وإن مسيحهم ما زال منتظرا، وكانت هناك بعض النصوص التي وردت بالترجمة اليونانية لكتب العهد القديم تختلف عما هو موجود بالكتب العبرية التي لدى اليهود، فأيهما أصدق؟ بل إن هناك أسفاراً بأكملها وجدت في النص اليوناني للعهد القديم و لم توجد بالنص العبري، وهى تتضمن تفاصيلا هامة فيما يتعلق بمجيء المخلص كما وأن الشخصية التاريخية للسيد المسيح لا يعرف اليهود عنها شيئاَ، فبخلاف ما ورد في كتب العهد الجديد والذي يتعلق بمولد المسيح في بيت لحم وحياته في الناصرة وموته في القدس، فإن أحدا من المعاصرين لبداية القرن الميلادي الأول- سواء من اليهود أو الرومان- لم يذكر عنه شئ، وتبين أن الفقرة التي وردت عنه في كتابات " يوسيفوس " إنما هي إضافة لاحقة قام بها أحد الناسخين المسيحيين. لذلك فقد أثار العثور على مخطوطات قمران التي كتبت ما بين القرن الثاني السابق الميلادي ومنتصف القرن الميلادي الأول، الأمل في وجود معلومات بها تحل هذه الألغاز وتفسر الأحداث تفسيرا تاريخيا. بل إن البعض كان يأمل في العثور على نسخ قديمة من أناجيل العهد الجديد في قمران 4 أو على إشارة تتعلق بالحواريين. ولكن الذي حدث كان يختلف تماما عن هذا كله، فلا ذكر للسيد المسيح حيا في هذه الفترة، وإنما هناك جماعة شبه مسيحية تعيش في قمران، على بعد عدة أميال من القدس، وهى تنتظر عودة معلمها الذي سبق له أن مات، وتعتبر كهنة المعبد ممثلين للشيطان على الأرض، ومسئولين عن موت معلمهم الصديق كما و أن الكتب التي قبلها المسيحيون و رفضها اليهود، وجدت جميعها ضمن مكتبة العيسويين في كهوف قمران. كانت الجرار الفخارية التي حفظت بها المخطوطات ذات شكل خاص وحجم محدد، فهي أسطوانية الشكل يزيد ارتفاعها قليلا عن نصف المتر، مسطحة في أعلاها وفى أسفلها وكان هذا النوع من الجرار ينتج عادة في مصر خلال القرنين السابقين على العصر المسيحي، مما يدل على أن شكل أجرار ونظام حفظ المخطوطات في داخلها كان مأخوذا عن العادات المصرية، فلم يكن هذا النوع من الفخار ينتج قي فلسطين وكانت عادة حفظ المخطوطات في داخل الجرار الفخارية هي عادة مصرية قديمة نشأت منذ عصر الملك رمسيس الثالث، من الأسرة العشرين خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، واستمرت حتى القرن الميلادي التاسع. وجدت معظم مخطوطات قمران مكتوبة على رقائق من الجلد، وإن كان بعضها مكتويا على أوراق البردى و واحدة- على رقائق نحاسية، مكتوبة في غالبيتها بالعبرية، إلا أن هناك بعض الكتابات الآرامية واليونانية، وتتفق طريقة الخط المستخدم في الكتابة مع نتيجة الحفر الأثري في خربة قمران، وكذلك نتيجة الفحص الذي تم عن طريق كربون 14، على أن هذه المخطوطات قد تم كتابتها في ما بين القرن الثاني قبل الميلاد و منتصف القرن الميلادي الأول. وبالطبع فإن هناك عددا كبيرا من المخطوطات يتضمن كتبا قديمة ترجع إلى تاريخ سابق، وان كان نسخها قد تم خلال هذه الفترة، وتحتوى مكتبة قمران على ثلاثة أنواع من الكتابات: كتابات توراتية من أسفار العهد القديم، وكتابات لأسفار لم تدخل في قانون العهد القديم، وكتابات جماعة قمران العيسوية. بلغت الكتب التوراتية حوالي مائتي كتاب، فقد عثر علي عدد كبير من أسفار كتب العهد القديم- باستثناء كتاب استير- وإن كان بعضها لم يتبق منه إلا قصاصات صغيرة، وأكثر نسخ وجدت لكتاب واحد كانت للمزامير التي بلغ عددها 27 نسخة وسفر التثنية الذي وجدت منه 25 نسخة، ثم لسفر إشعيا الذي وجدت منه 18 نسخة. أما الكتابات التي لا تدخل في قانون العهد القديم فهي نوعان " نوع يسمى "أبو كريفا" مثل سفر توبيت وسفر حكمة بن سيرا والجزء المكتوب باليونانية من رسالة إرميا، وهذا النوع وإن لم يدخل في قانون النص العبري المازوري إلا أنه موجود في النص اليوناني السبعيني، والنوع الأخر عبارة عن بعض الأسفار التي تمت كتابتها في الفترة مابين القرن الثاني السابق للميلاد ونهاية القرن الميلادي الأول، رفض الأحبار اعتبارها بين كتبهم المقدسة لأصبحت تعرف باسم "بسوديبحرافا" إلا أن الترجمة اليونانية لهذه الكتب حفظها المسيحيون- أحيانا بالسريانية أو الأرمينية أو الحبشية في مخطوطات قمران- مثل عهود الأسباط الإثني عشر وسفر إينوخ- مما يبين أن جماعة العيسويين كانت تدخلها ضمن مكتبتها. كما وجدت كذلك كتابات تفسيرية، تقوم بشرح الكتب المقدسة بطريقة الجماعة، أي عن طريق المجاز وليس على أساس من حرفية النص كما كان الكهنة يفعلون. وجد عدد من الكتب تحتوى على تفسير لأسفار العهد القديم، تختلف أحيانا عن التفسيرات التي نجدها في كتب التلمود، فمثلا في كتاب تفسير سفر التكوين- أول كتب العهد القديم- نجد أن القصة التي جاءت في التوراة بشأن زواج فرعون من سارة، قد جاء تفسيرها على أن الملك المصري هو الذي خطف سار- فأصابه المرض حتى اضطر إلى إرجاعها لزوجها إبراهيم: " عندما سمع حاركنوش (الأمير المصري) كلام لوط (ابن أخي إبراهيم)، ذهب إلى الملك وقال له: كل هذه الكوارث وهذا الكرب الذي أصاب سيدي الملك، كان بسبب سارة زوجة إبراهيم اترك سارة ترجع إلى زوجها، وسوف تختفي هذه الكوارث والقروح عنك ". وإلى جانب الكتب الدينية فقد عثر في قمران على كتابات تختص بجماعة العيسويين نفسها، مثل، كتاب "التلاميذ" و" مخطوطة دمشق" و" مزامير الشكر، و" مخطوطة الحرب"، وبالرغم من أن أسفار التوراة الخمسة الأولى تنسب إلى موسى- الذي عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد- وبالرغم من أن أسفار العهد القديم قد تم صياغتها في شكها النهائي فيما بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، فإن الترجمات الموجودة حاليا لهذه الكتب التوراتية- بما في ذلك الترجمات العربية- تعتمد كلها على النص العبري المازوري الذي يرجع إلى عام 1008 ميلادية.

كان اليهود منذ أن سمح لهم قورش الفارسي ببناء معبد القدس، وعودة الكهنة من بابل خلال القرن الخامس قبل الميلاد، يستخدمون التوراة وهي الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم والتي تحتوى على تعاليم موسى- في عباداتهم، إلا أنه ظهرت بينهم كتابات أخرى عديدة مثل تلك التي تحكى تاريخ بنى إسرائيل بعد موسى، إلى جانب الكتب المنسوبة إلى مجموعة من الأنبياء ظهرت في مابين القرن العاشر والقرن السادس قبل الميلاد، وكتابات الحكمة والمزامير. وبينما كانت جماعة العيسويين تهتم بجميع هذه الأسفار، حيث كانت تفسر توراة موسى على أساس من تعاليم الأنبياء وأشعار المزامير، فإن كهنة المعبد كانوا يحصرون اهتمامهم على الأسفار الخمسة الأولى وعندما اختفت طائفة الكهنة بعد أن دمر الرومان معبد القدس عام 70 ميلادية، قام الفقهاء من أحبار اليهود ببناء الديانة اليهودية حول التعاليم التلمودية التي قالوا بها لتفسير التوراة، حيث اعتقدوا بوجود توراة شفهية غير التوراة المكتوية، وصلتهم نقلا عن موسى، وفسروا النصوص المكتوبة علي أساسها. وعندما ظهرت الديانة المسيحية الجديدة، التي اعتمدت في محاجاتها لليهود على ما جاء بكتابات الأنبياء والمزامير، ظهر خلاف بينهم حول الأسفار التي يمكن اعتبارها من بين الكتابات المقدسة واجتمع عدد من الأحبار عند نهاية القرن الميلادي الأول بمدينة صغيرة اسمها يمنية بالقرب من يافا على الساحل الفلسطيني، وقاموا بمراجعة جميع الكتابات الموجودة لديهم وتقرير ما يمكن أن يدخل منها في ما أصبح يعرف باسم " القانون " أي التي يمكن اعتبارها جزءا من العهد القديم- واستبعدوا الكتابات الأخرى، وعلى هذا الأساس فإن النص العبري الذي تم العثور عليه في نهاية القرن العاشر والذي أصبح أساسا للترجمات الحديثة، يعتمد على هذا القانون الذي تم اختياره وتجميعه عند نهاية القرن الأول للميلاد. إلا أن الملك بطليموس الثاني (فلاديلفيوس)- الذي أنشأ مكتبة الإسكندرية- كان قد استحضر مجموعة من كتبهَ القدس إلى الإسكندرية خلال القرن الثالث قبل الميلاد، الذين جلبوا معهم كتبهم وتم ترجمتها إلى اللغة اليونانية، والتي تعرف باسم النص السبعيني ولأن الكنيسة المسيحية استخدمت اللغة اليونانية منذ نشأتها فقد أصبح هذا النص السبعيني لكتب العهد القديم، هو المستخدم لدى جميع الكنائس المسيحية حتى القرون الوسطي، إلا أنه بعد ترجمة النص العبري إلي اللاتينية واللغات الأخرى في القرن السادس عشر. تبين وجود عدة خلافات بينه وبين النص السبعيني، مثل وجود أجزاء ناقصة أو زائدة، وكذلك وجود بعض الاختلافات في الكلام نفسه وفى أسماء الأعلام والتواريخ كذلك.

كما أن هناك أسفار في المجموعة السبعينية اليونانية لكتب العهد القديم، ليست موجودة في القانون العبري المازوري، أصبحت الآن تعتبر من الكتب الدينية المشكوك في صحتها والتي يطلق عليها اسم "أبو كريفا" وظل الخلاف قائما بين دارسي التوراة، فبينما يصر بعضهم على صحة أحد النصوص و ينكر الآخر، يحاول آخرون التوفيق بينهما، ولهذا فعند ما تم العثور على مكتبة قمران في أعقاب الحرب العالمية الثانية، توقع الباحثون أن تكون هذه هي فرصتهم لحسم هذا الخلاف. وأهمية الكتب التي عثر عليها في قمران أنها ترجع- على الأقل- إلى القرن الثاني قبل الميلاد، أي قريبا من الزمن الذي تمت فيه الترجمة السبعينية اليونانية، وقبل ان يختار أحبار اليهود الكتب التي تدخل القانون، ويقررون إعدام ما عداها. وكان سفر إشعيا هو أول ما تم ترجمته من مخطوطات قمران ونشر عام 1952، ولكنه لم يظهر سوى اختلافات بسيطة عن النص العبري المازوري، يمكن اعتبارها أخطاء إملائية أو اختلاف في طريقة تركيب الجمل، إلا أن الوضع تغير بعد ذلك عندما نشر فرانك مور كروس-أ حد الخبراء المسئولين عن ترجمة النصوص- جزءا من سفر صموئيل جاء من الكهف (4)، وتبين أن هناك خلافا جوهريا بينه وبين نظيره في النص المازوري، لكنه عندها قـام بمقارنة هذا النص مع نظيره في الترجمة السبعينية اليونانية، وجده يتفق اتفاقا كاملا معه، إلا أن فرانك كروس عندها قام بترجمة جزء آخر من نفس المخطوط، لاحظ وجود اختلاف فيه - ليس فقط مع النص المازوري- وإنما مع النص السبعيني كذلك، وإن اتفق مع النص السامري. فهناك جماعة صغيرة من السامريين تعيش في منطقة نابلس، لديها كتابها المقدس الذي يحتوى على الأسفار المقدسة الأولى فقط من كتب العهد القديم، تعتمد الجماعة بأن أصله يعود إلى أيام النبي موسى، وهناك اختلافات عديدة بين ما ور في الأسفار السامرية وما جاء في كل من النص العبري المازوري واليوناني السبعيني. ومن بين نقاط الخلاف التي لها دلالة هامة، ما يتعلق منها بالمدة التي قضاها بنى إسرائيل في مصر، فبينما يقول النص العبري بأن بقاءهم في مصر كان لمدة 430 سنة، فإن النص السامري- ويتفق معه في هذا النص اليوناني- يجعل هذه المدة تشمل بقاء بنى إسرائيل في كنعان وفى مصر، أي الفترة منذ مجيء إبراهيم إلى كنعان إلى خروج موسى إلى سيناء. إلا أنه تم العثور على رقعة صغيرة في الكهف رقم (4) بقمران مكتوبة بالعبرية تحتوى علي جزء من سفر الخروج، وجدت أنها تتفق مع القراءة السامرية في بعض الأجزاء التي تختلف فيها عن النص العبري.

وهذا يدل على أن الأسفار السامرية ترجع إلى نص قديم كان موجودا منذ نشأة هذه الجماعة في القرن الخامس قبل الميلاد، لم يحدث به تغيير. وهكذا فنحن نجد بين الكتابات التي عثر عليها في كهوف قمران من العهد القديم، ما يتفق منها مع النص العبري المازوري وما يتفق مع النص اليوناني السبعيني و ما يتفق مع النص السامري. إلى جانب كتابات أخرى تحتوى على مزيج من هذه النصوص. كل هذا يدل على أنه كان هناك- على الأقل- أربع كتابات مختلفة لذات الأسفار التي تدخل ضمن مجموعة العهد القديم، مما دفع بعدد كبير من الباحثين المسيحيين للمطالبة بعدم الاقتصار على النص المازوري فقط عند القيام بترجمات جديدة، وإنما باختيار الأصلح والأقرب إلى الصحة من بين النصوص الموجودة.

الأربعاء، 28 أبريل 2010

أسطورة الهجوم على بيت فاطمة الزهراء.. قراءة علمية


د.أحمد الكاتب



وربما كانت قصة "كبس بيت الامام علي من قبل عمر من أجل إجباره على بيعة أبي بكر، وما رافق ذلك من تهديد بحرق بيت فاطمة على من فيه، أو قيامه بحرق باب البيت وضرب الزهراء وعصرها وراء الباب، وإسقاط جنينها (محسن) والتسبب في وفاتها" من أهم القصص الأسطورية الخطيرة التي لعبت عبر التاريخ وتلعب اليوم دورا كبيرا في تأجيج الخلافات بين الشيعة والسنة، بعد زوال معظم أسباب الخلافات التاريخية. ولذلك فان من الضروري التوقف عند هذه القصة – الأسطورة، والبحث في ظروف نشأتها وعرضها على التحليل المختبري والجنائي للتأكد فيما اذا كانت تتمتع بأية مصداقية أو حقيقة تاريخية.


وقبل أن نقوم باستعراض "الأدلة" التي يقدمها المدعون ضد الشيخين، والتي يصنفونها عادة الى أدلة "سنية" و"شيعية". لا بد أن نشير الى عدة نقاط:


1- أن المسلمين في القرون الثلاثة الأولى لم يكونوا يعرفون الانقسام الطائفي الحاد، حيث لم يكن اسم "أهل السنة" يطلق الا على مجموعة صغيرة من "أهل الحديث" ولم يكن اسما عاما على طائفة مقابل "الطائفة الشيعية". حيث كان يوجد تداخل كبير بين تيارات الشيعة المختلفة من محبي أهل البيت من الزيدية والإمامية والمعتزلة وأهل الحديث، من العلويين والعباسيين وغيرهم، بصورة يصعب فيها إطلاق وصف شيعي أو سني على أي شخص، فضلا عن إطلاقه على عامة الناس. ولعل أبرز مثل على ذلك هو الامام الشافعي الذي اعتبر بعد وفاته أنه إمام من أئمة أهل السنة، بينما كان يتهم في حياته بأنه شيعي أو رافضي. وكذلك المؤرخ الطبري، الذي صُنِّف مؤخرا على أنه شيعي، بينما كان المتطرفون من أهل السنة، أي الحنابلة، يتهمونه بالتشيع والرفض. وفيما اعتبر الإمامية أئمة أهل البيت، أئمة خاصين بهم، كان عامة "أهل السنة" يعتبرونهم أئمة لهم ويوالونهم ويحبونهم.


2- ولا بد أن نشير الى نقطة أخرى مهمة، وهي أن التاريخ يحتوي على روايات متواترة حول أمور معينة، يحصل لمن يقرأها مجتمعة القطع واليقين على أمر معين، في حين يحتوي أيضا على إشاعات وأساطير ، وروايات تسمى بروايات الآحاد، وهي روايات أقرب الى الإشاعات، وتنقل بصور غامضة ومتناقضة وبلا أسناد، أو عبر رجال كذابين أو غير ثقاة أو كتب غير معروفة ولا معتبرة، وهذه الظاهرة معروفة في التاريخ كما في العقيدة والفقه والسياسة والقضايا القانونية الشخصية. والموقف منها هو الشك والرفض والتمسك بالأمور اليقينية الثابتة بالتواتر والإجماع حسب القاعدة الأصولية المعروفة:"لا تنقض اليقين بالشك".


3- أما النقطة الثالثة، فهي ضرورة قراءة التاريخ قراءة ظاهرية طبيعية، وتجنب التفسيرات التعسفية والقراءات الباطنية المقلوبة، التي قام بها الغلاة، للتاريخ ولأقوال أئمة أهل البيت، وقلبوا من خلالها الأبيض الى أسود، والأسود الى أبيض، وذلك باسم "التقية" التي كانوا يستخدمونها كغطاء لتمرير أقوالهم ونظرياتهم المغالية المضادة لفكر وأقوال أهل البيت، حتى وصل بهم الأمر الى أن ينكروا وفيات عدد من الأئمة ، أو ينسبوا اليهم أولادا لم يولدوا ولم يعرفوا أثرا لهم.


4- وهناك نقطة رابعة، هي ضرورة تجنب الاعتماد على تشكيل الصورة التاريخية بالافتراض والتخمين، إذ يلاحظ أن بعض من يكتب في التاريخ، يقوم بافتراض كثير من الأمور التي لم تقع ولم يسجلها التاريخ، ولا يوجد لديه أي دليل عليها، اعتمادا تصورات معينة، أو ادعاء حذفها من التاريخ ومنعها من التدوين، وهو ما يعني محاولة كتابة التاريخ على مجرد الافتراض والخيال، دون العلم واليقين.




للتعمق والبحث


http://www.alkatib.co.uk/alsunnawalshia_files/shs14.htm


نشأة علم الوثائق


منذ أن خلق الله تعالى الإنسان وعلمه البيان كان طلب العلم ضالته المنشودة، وإحدى حاجاته الأساسية، من أجل أن يعرف نفسه ويعرف عالمه، ولقد تعلم الكثير وحفظ الكثير حتى ضاقت حافظته فاخترع الكتابة معيناً لذاكرته، تحفظ خبراته ومعارفه عبر الزمن وتنقلها إلى الأجيال الآتية من بني جنسه، فكتب على الأحجار وعلى جدران الكهوف وعلى الطين وعلى البردي وعلى جلود الحيوانات، وعلى كل شيء يصلح أن يكون وعاءً للمعلومات. وعندما تكاثرت هذه الأوعية تفرغ نفر ممن يمتلكون حب العلم والكفاءة لترتيب وتنظيم تلك الأوعية بطريقة تمكن وتسهل الإفادة منها، وكان "الموثوقون" هؤلاء يجرون عمليات البحث والتنقيب والتنظيم لهذه الأوعية، فيستفيدون منها أو يستفيد منها غيرهم.
بهذا الجهد الوثائقي العملي بدأت البوادر الأولى لمهنة التوثيق في أبسط صورها، واستمرت تتطور مع تطوير الإنسان وازدهار حضارته، والتزم الملوك والأمراء وذوو الأمر بتشجيع هذه المهنة العلمية وإقامة مؤسساتها المختلفة من دواوين ودور وثائق وغيرها، وأغدقوا العطايا على القائمين عليها. حيث مارس المسلمون التدوين منذ صدر الإسلام وسجلوا تصرفاتهم في وثائق وذلك راجع إلى تزايد أعداد المتعلمين الذين يجيدون القراءة الكتابة، نتيجة للجهود التي بذلتها الدولة الأسلامية لحاجتها إلى المثقفين الذين يقومون بنشر تعاليم الدين الإسلامي وشرح مبادئه.
وقد قسم العلماء الوثائق العربية بصفة عامة إلى وثائق عامة وهي التي تصدر عن ديوان الرسائل والدواوين الأخرى التي نشأت في الدولة الإسلامية مثل ولاية العهود ووثائق الإقطاع والمعاهدات. ووثائق خاصة وهي التي تسجل تصرفات الخاصة للأفراد سواء كانت بيعاً، أو شراء، أو إيجاراً، أو وقفاً، أو عتقاً...الخ.
كانت الكتابة أول ثورة حضارية للفكر الإنساني، غير أن اختراع الورق وسع قاعدة تلك الثورة وقدم لها سبل التطور والانتشار. لقد كان للعراقيين الأوائل فضل اختراع الكتابة، وكان للعرب المسلمين فضل تطوير صناعة الورق وتعريف العالم بقيمته. وفي القرن الخامس عشر الميلادي إذ اخترعت الطباعة بالحروف المعدنية المتحركة فنقلت العالم إلى عصر حضاري جديد. فطبعت الكتب بنسخ كثيرة وازداد تداولها بين الناس وانتشر العلم، وظهرت الدوريات، التي صدرت أول أنواعها في فرنسا عام 6561، وهي مجلة أسبوعية بعنوان (Journal des Scavants) وبعدها ـ في العام نفسه ـ صدرت الدورية البريطانية (Philosophical Transactions) التي عدت أول نموذج للمجلة العلمية.
وهكذا ازدهرت حركة طبع ونشر الوثائق الكتب والدوريات وغيرها من المنشورات الورقية، وتزايدت أعدادها وتنوعت أشكالها، غير أن هذا التزايد في أنواع المطبوعات أخذ يتضاعف عبر السنين، حتى بلغ معدل تزايده في الوقت الراهن قدر ثلاث مرات نمو سكان العالم تقريباً• وتتضاعف المعلومات كل 01 ـ 51 سنة، وأنه تصدر اليوم حوالي ثلاثين ألف مجلة علمية وتكنولوجية تحتوي على 0.9 إلى 1.2 مليون مقالة سنوياً.
وفي وقت مبكر أحس المهتمون بقضية توصيل المعرفة بمشكلة تفجر النتاج الفكري العالمي المتفاقمة، وتنبهوا إلى ضرورة وضع حل عاجل لها، فإن الإنسان يقف عاجزاً أمام الاستفادة الفاعلة من هذا الكم الهائل من نتاجات العقل البشري، بلغاتها المختلفة وأشكالها وأنواعها المتعددة، بعد أن ظهر بشكل لافت للنظر عجز الوسائل التقليدية من نظم المعلومات المتاحة في السيطرة على النتاج الفكري وضبطه وتنظيمه وتسهيل الإفادة منه بصورة فاعلة.
ونتيجة لازدهار حركة الطبع والنشر ظهرت مشكلة تضخم النتاج الفكري وتفجر المعلومات، فقد صور فافيلوف (S.I. Yavilov) رئيس الأكاديمية الروسية، رجل العلم وهو يقف منذهلاً أمام جبال المكتبات الشامخة، وليس لديه القدرة على استخراج حبة الذهب التي يحتاجها منها. والعالم الإنكليزي الفيزيائي برنال (J.D. Bernal) كان يرى أنه من الأسهل أحياناً إعادة اكتشاف الظاهرة الطبيعية من أن نجد المادة العلمية التي كتبت عن اكتشافها، ويقول الفيزيائي الفرنسي دي بروكلي (de Broglie L.): >غالباً ما يشعر المرء أنه مدفون تحت أكوام من المقالات والكتابات••• وأنه غالباً ما يعجز عن قراءتها من أولها إلى آخرها، ناهيك عن توفير الوقت للتفكير بها ثانية.
لقد كان الإحساس عالمياً بهذه المشكلة، ويعكس الاهتمام المتزايد من قبل العلماء والباحثين في مجالات المعرفة البشرية كلها، وبالمعلومات وضرورة توفيرها للمستفيدين خاصة وأن الأساليب التقليدية أبدت عجزها عن ذلك. إن لمشكلتي تضخم النتاج الفكري العالمي وتفجر المعلومات أسباب كثيرة يمكن تلخيص أهمها بالنقاط الآتية:
1 ـ الزيادة الهائلة في كمية الوثائق والمطبوعات والمنشورات المتنوعة.
2 ـ فشل الأساليب والوسائل التقليدية في الضبط والسيطرة والتنظيم للمعلومات ولأوعية المعلومات المتراكمة يوماً بعد يوم. إن هذا الوضع وتلك الأزمة العلمية العالمية كانا إيذاناً بميلاد علم جديد، يضع الأسس العملية لحل هذه المشكلات مستعيناً بالدراسات العلمية والوسائل التكنولوجية وتراث وخبرات ومهارات المهنة المكتبية.
نمو وتطور علم الوثائق:
إن الجـوانب العملية لعلم الوثائق كانت الأسبق في الظهور من جوانبه النظرية، وكـلا الجـانبين النظـري والتطبيقي يكونان الهيكل العلمي الحقيقي لهذا العلم، وتمثل المكتبات ودور الوثائق والارشيفات ومراكـز المعـلومـات المتنوعة الميادين التطبيقية لعلم الوثائق. وقد كانت هذه المؤسسات ـ خاصة المكـتبات ـ تقدم خدماتها الثقافية إلى المستفيدين منذ فجر التاريخ، وهي مستمرة في عطـائها، غير أنها بعد التطور العلمي والتكنولوجي الذي شهده العالم، وتفجر المعلومات وازدياد الحاجة إليها وتطـور هذه الحاجـة وتنوعها، قد أصبحت عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه المجـتمع كـما ينبغي.
ومنذ أواسط القرن التاسع عشر ظهرت حركة التوثيق (Documentation) التي كانت تهدف إلى تقديم تحليل مكثف لمحتويات أوعية المعلومات، وأكثر عمقاً مما كانت تقدمه الإجراءات المكتبية، وبعد استخدام الحواسيب في العمليات المكتبية أظهرت عمليات استرجاع المعلومات(71) أن هذه المحاولات المعلوماتية المتعددة هي مراحل تطورية لعلم المعلومات في جوانبه التطبيقية، إلا أنها ما كانت لتستمر وتتطور اعتماداً على كونها خبرات مهنية تستند إلى طريقة المحاولة والخـطأ، بل هي بـأمس الحاجة إلى مبادئ وقوانين علمية أساسية تستند إليها في تطبيقاتها الميدانية، وتعتمدها سنداً للتفسير والتخطيط والتطوير، ولقد وجدت مفاهيم علم الوثائق ونظـرياته لبناء هذه الأسس، وتطوير لمبادئ مهنة المكتبات وأهداف التوثيق، وتكاملاً معها واستحواذاً عليها في علم شامل تستظل بمظلته هذه التخصصات والخبرات المهنية بصورة موحدة وهكذا كان وتطور علم الوثائق
واتخذ تسميات متعددة منها:
التوثيق (Documentation)
علم المعلومـات والتـوثيق (Information Science and documention)
علم الوثائق (الدبلوماتيك diplomatics)
علم الوثائق (الدبلوماتيك diplomatics)
علم الدراسة النقدية لمصادر التاريخ الرسمية، مثل: المواثيق والقوانين والمعاهدات والعقود والسجلات القانونية، والوثائق الأخرى المشابهة. كما تشتمل أيضا على دراسة نشأتها وتكوينها وكذلك تقييمها وتمييز الصحيح من المزور. وتعتبر دراسة الوثائق التاريخية أساس علم الأرشيف archival science.
ظهرت دراسة الوثائق التاريخية أولا في فرنسا في القرن السابع عشر في شكل محاولات لإثبات صحة الوثائق الأرشيفية. ثم صقلت في المعاهد الأوروبية وتطورت إلى دراسة قانونية وتاريخية ولغوية للوثائق. وفي القرن العشرين طبقت على وثائق العصور الوسطى وبداية العصر الحديث وكان هدفها تقييم مصداقية تلك الوثائق كمصادر للأبحاث. وأول عمل كبير في هذا المجال قام به Jean Mabillon (1632-1707):
Jean Mabillon's De Re Diplomatic (1681; supplement, 1704)
باللاتينية، ويعني "دراسة الوثائق" والذي نشر في ستة أجزاء
والدبلوماتيقا تتحقق من الكيان المنشئ provenance للوثائق وخصوصا الوثائق الخطية، وتهتم بتطورها وتطبيق المفاهيم الدبلوماتيقية عليها. فهي تفحص المفاهيم الدبلوماتيقية من حيث التنظيم والتأثير على مضمون الوثائق والنظم الأرشيفية الحديثة. وهي تفحص الأشكال المادية والفكرية للوثائق، وتوضح المناهج التقليدية للدراسة النقدية للوثائق التاريخية وتضيف إليها أفكارا تتعلق بالاستخدام الأرشيفي للوثائق. وهي تحاول الوصول إلى صحة أو عدم صحة المنشئ ومصداقية أو موثوقية authenticity الوثيقة عن طريق دراسة:
المادة التي كتبت عليها وكيفية طيها
وفن الكتابة والأبجدية والخطوط التي استخدمت حيث يستخدم علم الخطاطة، أي علم الكتابات القديمة paleography
واللغة والأسلوب اللغوي الذي استخم في الكتابة بما فيها المفردات واستخدامها والنسق الأدبي فيها.
كما تهتم بالإضافة إلى ذلك بالتواريخ والتوقيعات والشهود والأختام
ودراسة الوثائق التاريخية مهم للدراسات التاريخية من أجل التحقق من حدوث وقائع تاريخية معينة من عدمه.
ومن الأمثلة على ثبوت التزوير في بعض الوثائق التاريخية واقعة الهبة التي أعطاها الإمبراطور Roman Emperor Constantine I in AD 324 للبابا Pope Sylvester I ومن يخلفه السيادة والسلطة الروحية على روما. إن مظاهر تطور علم الوثائق يمكن قياسها اعتماداً على مؤشرات إيجابية توفرت له منذ عدة عقود وأهم هذه المؤشرات هي:
ـ باحثون في مجالات علم الوثائق
ـ مدرسون يعملون في حقل الوثائق
ـ مدرسون وبرامج دراسية جامعية
ـ مؤسسات بحثية وأكاديمية مهتمة بعلم الوثائق معلومات

مصطلح السامية بين حقائق العلم وخرافة سفر التكوين



د. بشار خليف



شكل اليوم الثالث من كانون الأول /1872/ ميلادية مفصلاً هاماً في إسقاط النظرية التوراتية في قراءة تاريخ المشرق العربي.
فكما هو معلوم أنه وحتى نهايات القرن التاسع عشر كان كتاب التوراة يشكل المرجع الأساس في قراءة تاريخ المنطقة العربية / المشرق العربي خاصة / القديم الذي يمتد لما وراء القرن السادس قبل الميلاد.
ولكن وفي الثالث من كانون الأول عام /1872/ يقف جورج سميث أمام جمعية الآثار التوراتية في لندن ليعلن عن اكتشاف ألواح فخارية لرواية الطوفان التي وردت في سفر التكوين في التوراة.. وهذا يعني أن التوراة استوحى هذه الرواية من الوثائق العربية المشرقية القديمة / ملحمة جلجامش/.
وبذا يعلن سميث أن التوراة " لم يعد هذا الكتاب الذي يختلف عن بقية الكتاب ".. وليس " الكتاب الذي أملاه الله أو كتبه بنفسه ".
وبذا عاد التوراة إلى سلسلة الآداب العالمية، وأصبح مجرد ديوان ونصوص مختارة من الأدب الديني. على حد قول المؤرخ الفرنسي جان بوتيرو•.
وطبعاً لم يمر إعلان جورج سميث بسهولة، فقد ثارت الاحتجاجات ضده وقامت عاصفة رهيبة من الاستنكار أثارها مراؤوا إنكلترا الفيكتورية التي كان التوراة بالنسبة لهم كتاباً ( مقدساً منزلاً من الله ). وهذا ما دفع المؤرخ زينون كاسيدوفسكي للقول: " لم يكن بمقدورهم تصديق أن قصة نوح هي مجرد أسطورة اقتبست من الرافدين "•.
التوراة: ضرب تعويضي من ضروب الدفاع عن الذات تجاه عقدة السبي = النبذ = التخلي: فحيث أن ثمة علاقة خيالية وصوراً خيالية تتوسط بين الجماعة ونفسها، وبين الجماعة والمحيط وهذه الصورة الخيالية هي التي تفسر السيرورات والظاهرات التي تنسب أحياناً إلى أسباب أخرى فالجماعة تتبدى في الالتفاف على بعضها تجاه قلق مشترك.. فثمة خيال يوحد بين الأعضاء، كي يخلق حلم ما يؤدي فيما يؤديه إلى تحقيق خيالي للرغبة••.
وعلى هذا المنوال ونتيجة للسبي البابلي لليهود إلى بابل عام /586/ ق.م. فقد سعى أحبارهم آنذاك إلى تجميع الشتات اليهودي وفق أوهام وضروب من خيال، امتدت لتشمل البعد الإلهي وأنسنته بما يوافق النزعات النفسية والقلق واللاأمان الذي وضعوا مجاميعهم في ظلاله.
فقد قام عزرا الكاهن بمساعدة زرو بابل عام /583/ ق.م بتدوين الأسفار الخمسة الأولى من التوراة وهذه تعزى خطأ إلى موسى. وهذا ما يؤكده الفيلسوف سبينوزا حين يقول:
"
إن عزرا هو الذي كتب التوراة ولا علاقة لموسى بكتابتها••• وقد عمد كاتبا التوراة إلى التعويض عن نزعة السبي والنبذ بطرح يجافي العقل والحقائق التاريخية والاجتماعية والإناسية:
فأولاً: التأكيد على أن اليهود هم من سلالة جد واحد هو سام بن نوح.
ثانياً: أن اليهود أناس تم اصطفاؤهم من بين شعوب الأرض من قبل الله ( الله اليهودي = يهوه ).
فإذن برأيهم لا بد من الاستعلاء على باقي الشعوب كونهم ( شعب الله المختار ).
وثالثاً: حتى الأرض فهي ممنوحة لهم بوعد إلهي من قبل يهوه.. ( أرض الميعاد).
ورابعاً: العدوانية عند ( يهوه ) وهي تجلّ واضح للنفس اليهودية الدونية بحيث يجب أن يكون حام عبداً لأخيه سام..
نستنتج مما سبق أن ثمة أربعة ركائز قامت عليها الأسفار الخمسة الأولى من التوراة ( التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية ):
1.
العنصرية: فهي ادعاء نسبهم إلى سام بن نوح.
2.
الاستعلاء بأنهم شعب الله المختار من بين شعوب الأرض كافة.
3.
اغتصاب الأرض تحت ذريعة " وعد إلهي مزعوم ".
4.
العدوانية التي هي نتيجة طبيعية للعنصرية والاستعلاء.
وبما أن مجال بحثنا يختص تحديداً في اصطلاح " السامية "، الذي يعود بجذوره الأولى إلى سام بن نوح التوراتي، وبما أدى تعويمه في الأوساط العلمية التاريخية والآثارية ومناحي الدراسات اللغوية للغات العربية القديمة إلى إحداث بلبلة معرفية وعلمية، لا يمكن لها أن تستمر، ولا سيما أن الأمر يمتد ليأخذ أبعاداً حقوقية وسياسية تختص بحقيقتنا وهويتنا وتراثنا.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " إن كانت الأفكار الدينية لها فعالية في المجال الديني فقط، فإن الصهاينة ينقلونها من مجالها الديني إلى المجال السياسي ".
وحصراً لهذه الطروحات ينبغي أن ننسف معرفياً الجذور الأولى لمصطلح السامية عند اليهود أي التوراة في أسفارها الخمسة
.
ففي مجال أن اليهود أبناء سام بن نوح:
تجمع كافة الدراسات الأثنولوجية والأنثروبولوجية على استحالة رد شعب من الشعوب إلى جد واحد.. بمعنى آخر لا وجود لسلالة صافية تنتمي لعرق واضح..
ففي " بيان حول العرق " تبنته اليونسكو وهو من إعداد كبار الباحثين في مراكز العلوم الإنسانية العالمية جاء ما يلي:
"
لا يوجد الآن ولم يوجد من قبل ما يعرف ( بالعرق اليهودي)..إن الشخص الذي يدين بالعقيدة اليهودية ويمارس طقوسها هو شخص يهودي من حيث الدين، لكن هذه الحقيقة لا تفيد شيئاً في " عرقه ". فالديانة اليهودية ليست في حال من الأحوال علامة على أي عرق مهما كان. وبالنسبة لليهود فمن المحتمل أنهم يرجعون إلى مصادر متباينة أكثر من أية جماعة أخرى معروفة في العالم. إن اليهود ليسوا أي شيء شبيه بالكيان البيولوجي المتجانس ولأهم عرق أو جماعة سلالية.
إن الاعتقاد بوجود شيء يدعى العرق اليهودي هو أحد الأوهام الكبيرة في العالم وإن أقرب تسمية لليهود كجماعة هي القبيلة "•.
ويقول لينين حول هذا الأمر:
"
إن العلم لا يعرف أصل اليهود القدماء، وأن الخصائص القومية بل العنصرية مرفوضة من جانب الأبحاث العلمية المعاصرة ولا يوجد في الطبيعة نمط عنصر محدد لليهود ".
بناء على كل ذلك ونظراً لانحيازنا للعمل في مواجهة الخرافة الساسية التوراتية فإننا نستطيع رفض الأساس التوراتي لمصطلح " السامية " والذي سوف يتأسس في نهايات القرن الثامن عشر في حقل الدراسات اللغوية للغات العربية القديمة.
وقبل أن ننتقل إلى القرن الثامن عشر لا بد من التوقف عند مقولة للباحث إيسفيليت حيث يقول: " أن التوراة لم تكن تاريخاً تحوّل إلى خيال بل خيالاً تحول إلى تاريخ •• " .
وكما في كتابه " الإسرائيليون والقبائل المجاورة لهم " يقول ماير: " إن حكايات سفر التكوين تنتمي إلى عالم الخيال ".
وفي حوار أجريناه مع الباحثة الألمانية هيلغا زيدن المتخصصة في علوم الإنسان والآثار قالت: " إن علم الآثار التوراتي سبّب الكثير من الدمار والضرر في دراسة تاريخ المنطقة العربية، وكل إسرائيل قائمة على التوراة، وهم يقولون لقد جئنا إلى فلسطين لأن التوراة قالت ذلك.. وهذا غير ممكن ولا يمكن القيام بذلك تحت أية ذريعة أو توهم.
في كل مرة نتحدث فيها عن فلسطين يرفعون في وجهنا توراتهم• ".
خيط واصل بين 583 ق.م و1781م :
ثمة تماه بين عام /583 / ق.م وعام / 1781/ ميلادي، بمعنى آخر، ثمة تماه بين عزرا الكاهن وبين العالم النمساوي شلوتزر الذي أطلق مصطلح " السامية " في حقل الدراسات اللغوية للغات العربية القديمة ".
يؤكد بعض الباحثين أنه ( يهودي ) وكان هذا متزامناً مع نشوء علم الأعراق وتوجه أنظار الغرب للمنطقة العربية ففي عام /1781/ ميلادي أطلق شلوتزر مصطلح السامية في دراسة اللغات العربية القديمة وقد استند في مصطلحه على التوراة في سفر التكوين – الإصحاح العاشر، حيث أخذ بالنظرية السلالية – العرقية وعلى حد قول الدكتور محمد محفل.." لقد أخذ بهذا الاصطلاح لأسباب كهنوتية / سياسية " . وطالما أن الأساس العرقي قد نسف علمياً ومعرفياً فيجب عدم الأخذ بهذا الاصطلاح لغوياً لأسباب عديدة:
أولاً: باستخدام هذا المصطلح ينبغي أن ترجع جميع اللغات واللهجات العربية القديمة ( الأكادية – الأمورية البابليةالآشورية – الإبلائية – الكنعانية.. إلخ ) إلى اللغة العبرية كونها حسب المصطلح السامي هي أم اللغات ؟!
ثانياً: في حقل الدراسات الرصينة للغات العربية القديمة يلاحظ الباحث ألا وجود للغة عبرية ولا لكتابة عبرية. فالتوراة تحدثت أن اليهود تكلموا " شفة كنعان ". والعبرية هي فرع من الكنعانية الوسطى والآرامية. كما أنهم كتبوا بالخط الآرامي المربع.
ثالثاً: كيف يمكن التحدث عن أن اللغة السامية التي هي العبرية بحسب الاصطلاح التوراتي هي أم اللغات في وقت تعود فيه اللغات العربية القديمة لما قبل كتابة التوراة بأكثر من ثلاثة آلاف عام !؟
رابعاً: نتيجة لاعتماد العنصر " السامي " في التوراة.. فقد حفلت ( التوراة – التكوين ) بالأغلاط والالتباسات العلمية التاريخية
.
فمثلاً: 1- ورد في التوراة أن العيلاميين واللوديين ساميون وما هم بساميين !.
2-
الأحباش يتكلمون لغة سامية ولكنهم ليسوا ساميين !.
3-
أقصي الكنعانيون عن جدول سام لأسباب سياسية ودينية !!.
4-
اعتبرت التوراة أن القرطاجيين غير ساميين !!
خامساً: وحسب الدكتور المسيري فإن الصهاينة ينقلون الأفكار الدينية من مجالها الديني إلى المجال السياسي.. فقد نشأت بدعة " اللاسامية " التي يطلقها الصهاينة على كل من يقف في طريق مشروعهم التوراتي ( الميعادي ). وأصبح العرب حسب النظرية الصهيونية أعداء للسامية واللاساميين.
بناء على كل ذلك كان لا بد لنا من الوقوف على آراء المؤرخين والآثاريين العرب لمعرفة ما السبيل لإنهاء مفاعيل استخدام هذا المصطلح وإبداله بمصطلح يأخذ الحقائق العلمية أساساً له..اعتماداً على الكشوفات الأثرية الوثائقية والحقائق التاريخية الموضوعية بما يضمن حقنا في تاريخنا وهويتنا.






آراء بعض الباحثين والآثاريين والمؤرخين العرب في اصطلاح السامية
الدكتور محمد حرب فرزات - سوريا
:
أنا لست متشبثاً ببعض المصطلحات عندما يكون بالإمكان استخدام مصطلح آخر أكثر ملائمة.. على ألا يعارض ذلك مقتضيات الاصطلاح العلمي وأنا مثلك متضايق من اصطلاح السامية وأجد نفسي في بعض الأحيان أنني مستريح لاستخدامه، أقصد استخدامه بمعنى محدد، فهو مجرد كلمة.
على كل حال..صحيح أنه يمكن أن يساء استخدامه من بعض الجهات، كالجهات الصهيونية أو المشتغلين بالدراسات التوراتية، بربط كل ما هو سامي بما هو توراتي أو يهودي.
على أنه حتى في المفاهيم المتعلقة بتقاليد المنطقة، ليس اليهود وحدهم، وليس العبرانيون مثلاً الذين يتكلمون اللغة العبرانية هم من الساميين. حتى لو رجعنا إلى موضوع الأنساب نجد أن العرب من الساميين أيضاً.
لماذا لا نعطي المصطلحات معناها الدقيق ونقول أن هذه المصطلحات تخصنا نحن وأن هناك الكثير من المفردات والمصطلحات والأشياء المادية والأوطان تُستلب منا، فنسترد هذه المصطلحات ونعطيها المعنى الذي تقصده. شلوتزر في القرن الثامن عشر عندما طرح موضوع تسمية عائلة من اللغات، وجد أن فيما بينها قرابة من حيث البنية والتصريف والمفردات، هذه اللغات التي كانت معروفة في زمانه سماها اللغات السامية، لأن مفهوم وجود الإنسان وتكوين الإنسان مرتبط بالمفهوم الديني الذي كان شائعاً ويكوّن جزءاً من المفهوم الثقافي المعروف في أوروبا. والمشتغلون في هذه الدراسة الإنسانية والتاريخية هم في أغلبيتهم من المرتبطين بدراسات دينية سواء كان مسيحية أو توراتية.
دعنا نتكلم بهذه الأمور بكل صراحة وبكل بساطة ودون أن يكون في الأمر نوع من الحرج.
الآن أجد أن بعض الباحثين، يقترحون تسميات أخرى، في بعض الأحيان لا تكون هذه التسميات دقيقة لأنها قد تتجاوز الزمن وقد تستبق مرحلة زمنية معينة.
البعض يقول أن نسمي هذه اللغات، لغات عربية، على أساس جغرافي كان يصح ذلك، ولكن على أساس غير جغرافي قد لا يكون ذلك دقيقاً لأننا لا نعرف ما هي اللغة الأم التي تسمى تماماً اللغة العربية وكيف تفرعت منها هذه اللغات، إلا على سبيل الافتراض بأن نعيد هذه اللغات إلى جذورها الأم ونقول هذه هي اللغة الأم.
أنا الآن أطرح بيني وبين زملائي تسمية أخرى ولكن ليس كل إنسان كان باحثاً هو حر في أن يخترع وأن يلقي جزافاً التسميات، التسمية يجب أن تطرح في أوساط علمية وفي ندوات علمية وأن يتم تبنيها في النشر.
فمثلاً ما يسمى لغات سامية هو في حقيقة الأمر ماذا ؟ هي اللغة الأكادية المكتوبة بالمسمارية، البابلية والآشورية بأزمنة مختلفة واللغات الغربية التي تطورت في صيغة كتابتها إلى الكتابة الأبجدية.
هذه اللغات يمكن أن نسميها بدلاً من اسم واحد، نسميها اللغات الأكادية والأمورية لأن كل المنطقة الواقعة غرب الفرات كان يطلق عليها من قبل الأكاديين، بلاد أمورو، ويعني بلاد الغرب. فهذا المفهوم، وبحسب الاكتشافات الأثرية والكتابات التاريخية واللغوية تبين على أن المنطقة الشمالية من الجزيرة العربية التي هي بلاد الشام كانت على صلة بالمنطقة الجنوبية من الجزيرة العربية وهي بلاد اليمن.
وهذا الاتصال كان اتصالاً لغوياً وثقافياً واسع النطاق. فإذا عممنا الأمر بنوع من الاصطلاح فقط، يمكن أن نقول بدل من لغات سامية إذا كانت تزعج الكثير من الناس، نقول اللغات الأكادية الأمورية. لأن الأكادية هي اللغات التي تكتب بالمسمارية، والأمورية هي اللغات التي تطورت كتابتها إلى الأبجدية.
وإذا ناسب بعض الناس المشتغلين بهذا الميدان هذه التسمية، فيمكن أن نتخلص من هذه التسمية التي تضايق الكثيرين من الذين يريدون أن يتجنبوا اصطلاح السامية.
الدكتور نائل حنون- العراق:
على الرغم من التداول الواسع لمصطلح اللغات السامية لا يمكننا، من الناحية العلمية، قبوله. فالواقع اللغوي القديم في المشرق العربي لا يمكن أن يعبر عنه بهذا المصطلح الذي يشمل على سبيل المثال، اللغة العيلامية وهي تنحدر من عائلة لغوية أخرى. وبالطبع لا يمكن أن تكون هذه نهاية مسدودة، فنحن نعرف اللغات الشقيقة المقصودة بالمصطلح، وهي: الأكدية، الكنعانية (الأمورية )، الآرامية، العربية. فإذا أردنا اقتراح مصطلح جديد يجمعها سوية ينبغي أن نبحث عن شيء اشتركت بها هذه اللغات جميعها. وأول ما يتبادر إلى الذهن هنا هو أنها تشترك في الموطن الواحد، وهو المشرق العربي. لذلك ما الضير في تسميتها بلغات المشرق العربي ؟ أما إذا فكرنا في أن بعض هذه اللغات قد انتشر في المغرب العربي أيضاً، مثل الكنعانية الحديثة، فإن المصطلح يبقى صحيحاً إن قصد به اللغات الشقيقة الرئيسة وموطن ظهورها.
الدكتور حسني حداد - سوريا:
لا أظن أن هناك ولحد الآن مصطلح بديل، ولكن يلزمنا مصطلح بديل لأن فكرة السامية هي فكرة لغوية صرف، بُنيت على أساس لغوي صرف، مع أن اللغة العبرانية واللغة الكنعانية والعربية هي لغات سامية.
وبما أن اليهود هم الذين كانوا يمثلون هذه الفئة السامية في أوروبا، ظهر ما دعي بـ / لا سامي / ANTI SEMETIC وهذا لا علاقة له بالعرب أو بالسوريين في ذلك الوقت، لذلك ظهرت هذه الفوضى من هذه التسمية، بحيث أن السامية صار لها مدلول يخص اليهود واليهود الأوروبيين فقط.
كما أن السامية تدل على عنصر يرجع إلى التوراة، حيث أن سام بن نوح وهكذا، مع أنه تم رفض الكنعانيين ليكونوا أولاد سام. فهذه النظرية التوراتية تختلف عن النظرة اللغوية للسامية، وهذه النظرة اللغوية جاءت في القرن التاسع عشر عبر " غريم الألماني " الذي بدأ بدراسة اللغات وتقسيمها إلى عائلات. فالفوضى نشأت من الخلط بين ثلاثة مفاهيم للسامية، المفهوم اليهودي – الأوروبي الصرف، الذي يظهر عادة " باللاسامية "، والمفهوم العنصري الذي جاء من التوراة وهو مفهوم فوضوي خالص لأن لا دلالة تاريخية له، ثم المفهوم اللغوي. والناس تخلط بين المفاهيم الثلاثة، لذلك وقعنا في هذا المطب، أما كيف الخروج منه ؟ فهنا المشكلة والحقيقة أنني فكرت بهذا مدة طويلة.
هذا السؤال دكتور حداد، هو جزء من ملف أو استبيان سبق أن طرحته على عديد من الباحثين وسأواصل هذا العمل لحين محاولة الشروع في إقامة مائدة مستديرة للباحثين العرب حول هذا الأمر وقد استوقفني في الإجابات، إجابة الدكتور محمد محفل الذي طرح بديلاً لمصطلح السامية بمصطلح " الشامية " حيث أن برأيه يجوز إقلاب السين إلى شين.. ما رأيك بهذا المصطلح ؟
هنا في المنطقة، الكثير أخذ بمصطلح العرب والعروبة، فصار الكلدان عرباً، حتى المصريين أصبحوا عرباً وفق ذلك.. وكل هذا على أساس لغوي غربي، بمعنى أن هؤلاء كلهم تكلموا لغات سامية وبالتالي فهم عرب، ولكن هنا نقع بمشكلة، حيث بذلك يصبح اليهود عرباً ! وبهذا نرجع إلى الفوضى.
الدكتور علي أبو عساف- سوريا:
الذي وضع المصطلح لم يقصد به إلا التعريف بمجموعة قبائل كانت تتكلم لغة واحدة بلهجات متنوعة، وقد تعرض هذا المصطلح للنقد منذ استعماله لسببين، أن العيلاميين على سبيل المثال قد نسبوا إلى سام.. وما كانوا ينطقون بلسان أولاده الآخرين، وهم ليسوا ساميين وعلى العكس، فقد استبعد كنعان من ين أولاد سام، وكانت القبائل الكنعانية تتكلم لغة كأولاد سام الآخرين " آشور " و" إسماعيل " و" آرام " ..إلخ..
والجدير بالملاحظة، أن اليهود أنفسهم قد قالوا بأنهم تكلموا بلسان كنعان، وفي الوقت نفسه أبعدوه عن أولاد سام ومع ذلك فالمصطلح قائم ولا بديل له في الوقت الحاضر عملاً بالقول ( خطأ شائع خير من صواب ضائع ) الذي أبقى على هذا المصطلح إلى يومنا هذا.
الدكتور عدنان البني - سوريا:
إن صفة السامية المستعملة منذ أكثر من قرنين لا يمكن إزالتها بقرار، فهي تزول عندما نضع بديلاً عنها، بديلاً يفرض نفسه بقوة على العالم العلمي، وذلك بإسهام العديد من العلماء العرب، وعلى مدى طويل.
أُطلق هذا المصطلح التوراتي على مجموعة اللغات المنبثقة من الجزيرة العربية، ثم تحول إلى مجموعة من الشعوب، حتى أصبحت بتأثير الصهيونية مرادفاً أحياناً لليهود حتى الذين أتوا من الخزر.
الدكتور نقولا زيادة- لبنان:
المسألة السامية قبلت عملياً كمصطلح، فهناك قرابات وثيقة بين اللغات التي تشملها هذه التسمية وهذه القرابات عميقة فيما يتعلق بأصول اللغة وجذورها وتراكيب النحو أيضاً. وبعض هذه اللغات تطور وبعضها تأخر، فالعبرية مثلاً تطورت كثيراً والعبرية ألغت " المثنى " الذي كان موجوداً.
لكن المسألة أكثر تعقيداً من كونها مجرد قراءة في اللغات، بعد تشابك البعد التاريخي بالآخر الديني، ثم ارتباط البعدين معاً، بالبعد السياسي.
دعنا نترك هذا الأمر، اترك لي استعماله السياسي، واسألني فقط هل يجوز أن نظل على استعمال السامية كمصطلح..!! أنا أقول ممكن وغير ممكن وأنا حاولت مرة أن أضع " النقاط الثلاث " وأسميها الشامية، ولكن هذا غير صحيح لأن هناك لغات من هذا النوع نشأت وتطورت على الأقل خارج بلاد الشام.
الدكتور شوقي شعث- فلسطين / سوريا:
إن هذا المصطلح هو مصطلح جديد أطلقه عالم نمساوي. وقد تعرض هذا المصطلح للنقد، ولكن حتى الآن لم يتم الاتفاق على مصطلح بديل. وأنا أقول، أن الباحثين والمفكرين مدعوون إلى إيجاد مصطلح جديد يكون معبّراً وذا مضمون شامل، كما أدعو إلى إعادة النظر في كثير من المصطلحات التي توارثناها عن علماء الاستشراق.
الأستاذ محمد وحيد خياطة - سوريا:
أرى أنه من الأخطاء الشائعة استخدام مصطلح السامية في الموضوعات التاريخية، فهذا المصطلح مأخوذ عن " سام بن نوح " كما جاء في تسلسل أنساب الشعوب في أسفار العهد القديم. وقد ساد هذا المصطلح وانتشر في الأوساط العملية رغم عدم دقته العلمية. فهناك أقوام تعتبرها التوراة من الشعوب السامية وما هي بسامية، وأخرى سامية تعتبرها غير ذلك. ولكن، المصطلح كما ذكرت شاع وأصبح من المتعذر الآن الاستغناء عنه وذلك حتى تتجنب البلبلة في استخدام المراجع القديمة، ولا ضير في اعتقادي من استخدام هذا المصطلح ما دام الباحثون يعرفون تمام المعرفة ماذا يعني.
الدكتور محمد محفل- سوريا:
بلا شك هذا المصطلح خاطئ، كما أنه عُمم خطأ، ربما كنا نقبل به لو لم يكن له آثاره التي تنعكس علينا وعلى حقيقتنا ووجودنا. فهذه التسمية أطلقها الكاتب النمساوي شولتزر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي متزامناً مع بداية ظهور ما يسمى بعلم العروق في أوروبا، وكذلك مع بداية توجه أنظار الغرب إلى منطقتنا. ولعلني أستطيع تحديد الخطورة في هذا المصطلح واستخدامه عبر ما يلي:
أولاً: هذا المصطلح مأخوذ عن التوراة، سفر التكوين.
ثانياً، اعتمد هذا المصطلح على مفهوم جينولوجي. حيث أن الأقوام ككل تفرعت من إنسان واحد، وإذا أردنا مناقشة هذا الأمر فسيتبين لنا أن العلم لا يقرّ بذلك.
فمعظم الأسماء التي ترد في تاريخ الهلال الخصيب لا تحمل مدلولاً عرقياً أو عنصرياً، بمعنى لا تعود إلى شخص أو قوم، فأسماء كنعان أو آرام أو آشور، وحتى سام، هي أسماء لها ارتباط بالبيئة والأرض والذهنية وربما تحمل طابعاً مقدساً. العلم حالياً يرفض هذا التفكير البدائي البسيط، رغم أنه وللأسف ما زال مقبولاً لدى البعض في الروايات الشعبية.
ثالثاً: أدى استخدام هذا المصطلح إلى إرجاع كل اللغات المحلية إلى اللغة العبرية. وفي هذا خطورة بالغة لأن المرجعية اللغوية لفهم اللغات المحلية القديمة أصبحت اللغة العبرية بدل اللغة العربية.
فحسب هذا الطرح أضحت اللغة العبرية أمّ اللغات المحلية القديمة، وهذا خطأ، لماذا ؟
لأن العبرية أولاً هي فرع من الكنعانية الوسطى والآرامية. الآرامية جاءت متطورة أكثر من الكنعانية، وقواعد الآرامية قريبة جداً من قواعد اللغة العربية. ولأنه لا وجود للغة العبرية، ثانياً، هذا ليس من عندي، بل أن التوارة ذكرت ذلك.. ذكرت أنهم تكلموا " شفة كنعان ".
وثالثاً: لنحاول البحث في أول ظهور تاريخي لكلمة " عبري ". اللغة العبرية أول ما ظهرت، ظهرت في كتاب انتقالي هو الجامعة، الذي يعود إلى ما بين منتصف القرن الأول الميلادي والقرن الثاني. هذا كوضع، وهذا الكتاب له علاقة بتبشير مسيحي. في هذا الكتاب نجد لأول مرة كلمة عبري. إذاً لا وجود لكلمة عبري قبل القرن الأول للميلاد، اعتماداً على كل ما طرحت كيف يمكن أن ندرس لغاتنا القديمة على أساس اللغة العبرية ؟
لهذا قلت أن هذا الطرح خاطئ وغير علمي.
أما ما أراه في هذا فهو أن كل لغاتنا يجب أن ندرسها انطلاقاً من اللغة العربي.
اللغة العربية جاءت وجبّت كل ما قبلها، واحتوت الأكادية والبابلية والآشورية والكنعانية والآرامية.
والعربية اليوم هي العربية الحجازية وليست القرشية. الحجازية تفاعلت مع بلاد الشام واليمن، لهذا أقول علينا اعتماد اللغة العربية الحجازية والعربية المتطورة بعد الحجازية التي ورثناها والتي جبّت كل لغات الهلال الخصيب.
فكل من يبحث في هذا المجال مضطر إلى أن يعود للأصل، إلى التراث اللغوي للهلال الخصيب ويستعين بما لدينا من لغة عربية. إذن، اعتبار اللغة العبرية هي أم اللغات المحلية القديمة يحمل في ثناياه خطورة على الحقيقة العملية وعلى حقيقتنا الحضارية نحن. وإلا ماذا يعني، وهذا وارد في الدراسات والتلمود، حين يقولون أن الحرف أول ما عرف، عرف بشكله العبري بـ 22 حرفاً. ولهذا نفهم لماذا جعل اليهود توراتهم تتألف من 22 سفراً وذلك بعد أن ضمّوا أسفارهم إلى بعضها البعض لتصبح 22 سفراً. هذا شيء مركب تركيباً اصطناعياً. نما في المدرسة التلمودية في العصر الوسيط، ثم جاءت بداية الاستشراق الذي موّلته مراكز وجمعيات أطلقنا عليها فيما بعد اسم الاستعمار وخلفه الحركة الصهيونية.
والآن إذا انتقلنا إلى خطورة استخدام هذا المصطلح لقلنا أنه بالإضافة لاعتبار أن اللغة العبرية أم لغاتنا القديمة هناك اعتبار آخر وهو أن الكتابات العبرية هي أصل كتاباتنا القديمة، وأيضاً هذا طرح خاطئ ولا نقبل به، لماذا لا نقبل به ؟ لأنه لا وجود لشيء اسمه الكتابات العبرية، فالتوراة قبل كل شيء هو حرف مشتق من الحرف الآرامي المربع، وهذا مصطلح علمي متعارف عليه في جميع المراكز العلمية الأكاديمية. وهذا الحرف الآرامي بدأ يتطور في القرن الثالث قبل الميلاد. والتوراة وضع نقلاً عن نص يوناني في القرن الثالث قبل الميلاد، والذي بين أيدينا الآن هو النسخة السبعينية التي ثبتت نهائياً في القرن الرابع الميلادي. فالشكل جاء متأخراً جداً أي في القرن الرابع الميلادي. وهو يتحدث عن أقوام يعود تاريخ وجودها وأحداثه لما قبل هذا بحوالي ثلاثة آلاف عام، ولكن بالمقابل، نحن لدينا نصوص تعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، عندنا كتابات إبلا وأوغاريت وبابل و..و..فكيف تكون العبرية هي الأصل ونحن الأقدم ؟ أليس في هذا الطرح غرابة !؟ وإلا كيف يصير الفرع أصلاً والأصل تابعاً؟! إذن التسمية خاطئة، فعندما نقول سامية أصبحت تفهم أنها يهودية أو عبرية، والخطر في هذا.
أنا أطرح مصطلح " الشامية " ولهذا براهينه. فالشام لا يعني اسم عنصر ولا عرق، إنه نابع من البيئة، كما أن إقلاب السين إلى الشين وارد في لغتنا المحلية القديمة سواء الأكادية أو البابلية أو الآرامية أو الآشورية أو الكنعانية.
فنحن حين نقول عسرة فهي عشرة وشمش هي شمس وبيت شان هي بيسان..إلخ..
أنا أطرح هذه التسمية للمناقشة علّنا نستطيع إيجاد البديل للسامية.
الدكتور فواز الخريشة - الأردن:
عندما جاء المستشرقون والعلماء إلى منطقة الهلال الخصيب، وجدوا أثناء تنقيباتهم مجموعة من الألواح والرقم يجمعها جامع واحد مشترك، وهو اعتمادها على الحرف الصامت دون الحركات، سواء القصيرة أو الطويلة وأنها تعتمد على الجذر الثلاثي في معظمها، ولوحظ تشابه هذه الأفعال في المعنى وإن اختلفت في تركيب الجملة.
بناء على هذا حاولوا إيجاد مصطلح جامع لكل هذه اللغات كما هو الحال في اللغات الهندوأوروبية التي انفصلت عن السنسكريتية أو اللغات الشرقية. في وضع اللغات السنسكريتية التي منها الهندوأوروبية هناك اللغة السنسكريتية الأم التي وجد لها كتابات في منطقة الهند وغيرها. ولكن في لغاتنا المكتشفة، لم نعثر على لغة أم، ولم توجد نصوص للغة أم، حتى أن العلماء للآن لم يستطيعوا إيجاد لغة أمّ للغات التي أطلق عليها السامية.
العالم شولتزر في القرن الثامن عشر، بحث عن مصطلح يُجمع عليه كل العلماء، فلم يجد إلا التوراة أمامه ليأخذ منها معطى تاريخي وهو سام، ويطلق منذ ذلك الوقت مصطلح السامية. طبعاً لنا مآخذ على هذا الاعتماد التوراتي، لماذا ؟ لأن سفر التكوين في التوراة يقول بأن القرطاجيين ليسوا من أبناء سام وهم ساميون كما أنه يعتبر العيلاميين من أبناء سام وما هم بذلك.
وبرأييّ، أن هذا الرجل رغم معرفته بهذه المغالطة التاريخية قرر أن يسمي كل لغاتنا المكتشفة باسم اللغات السامية تسهيلاً للبحث والدرس اللغوي ليس أكثر !؟.
ما يفهم من حديثكم، هو أن ( شولتزر ) حين أتى بهذا المصطلح في ذلك الزمن وأقصد القرن الثامن عشر كان أمامه كتاب التوراة كمرجع تاريخي وحيد لتاريخ سورية فاستعار منه مصطلح " السامية " عن نية طيبة أو عن سوء نية، ولكن على ما أذكر أنه مع بدايات القرن العشرين وفي ربعه الأول صدر كتاب لفريدريك ديليتش بعنوان " بابل والكتاب المقدس " الذي بيّن فيه ما أخذته التوراة من تراث الهلال الخصيب وبالرغم من هذا نحن الآن أمام انكشاف للحقائق وأمام تراث مسلوب وممسوخ ومعظم المستشرقين نهلوا من هذا السلب والمسخ، ألا تجد أن علينا إعادة النظر في كل ما دونه المستشرقون عن تاريخنا وحضارتنا وتراثنا ؟
سيدي الكريم، في تعقيبكم أشرتم إلى عدة نقاط جديرة بالبحث، فأولاً: كلمة " سامي " أنا أرى أننا نحن العرب أبناء سام! طبعاً هناك بدائل لهذا المصطلح طرحها بعض الأساتذة العرب فمنهم من قال بإبدال مصطلح السامية إلى العربية ومنهم من طالب بمصطلح المشرقية كبديل.
ولكن اسمح لي، أنا أستغرب من الباحثين العرب ؟ لماذا يريدون البحث عن تسميات جديدة ! ما دامت هذه التسمية أخذت واعتمدت في جميع المراجع فلماذا نبحث عن اسم جديد !؟.
هذه ناحية، أما الناحية الثانية فما دمنا نحن أبناء سام فعلاً ! ومصطلح السامية واللاسامية الذي يستعمله الغربيون الآن، فبرأيي أن هذا ناتج عن الإعلام الصهيوني فاليهود هم الذين يدعون أنهم ساميون ومن تبقى من البشر غير ذلك.
ما رأيكم بما طرحه الدكتور ألبير نقاش في كتابه " أُخذة كش " عن استبدال مصطلح السامية بالمشرقية ؟
بأي مفهوم طرح هذا المصطلح ؟ فإذا كان جغرافياً فيجب ألا ننسى أن كلمة لغات شرقية أو لغات المشرق تفهم رأساً من كل البحاثة على أنها لغات الهلال الخصيب ولغات فارس وتركيا وغيرها التي لا تدخل في نطاق اللغات السامية.
فبرأيي أن مصطلح المشرقية يعني كل منطقة الشرق الأوسط ولا أرى ضرورة لزيادة البلبلة.
ومادام المصطلح " السامية " سارٍ ومستخدم فلماذا نبحث عن بديل سيزيدنا إرباكاً ! حبذا لو بحثنا في أمور أخرى مفيدة أكثر، تقدم شيئاً للغة السامية أو للغة العربية أو تاريخ العرب.
الدكتور حميدو حمادة:
مصطلح اللغات السامية مصطلح شاع ويصعب اسبتداله بمصطلح آخر، رغم أنه غير دقيق ولا يستند على قواعد علمية بل هو مصطلح يستند على البحوث التوراتية.
أما المصطلحات البديلة مثل ( الجزرية، اليعربية ) قلم يتح لها الشيوع بعد، وهي تحتاج إلى تبني الجهات الرسمية التي أصبحت رؤيتها ضبابية، بسبب ما يجري من أحداث في المنطقة. ويجب أن تعقد ندوة ليس لتحديد مصطلح سامية أو عربية أو جزرية بل تمثل ما اصطلح عليه للعديد من المصطلحات التي لم تعد تمثل ما اصطلح عليه. وربما يكون مصطلح لغات الجزيرة وبلاد الشام مقبولاً.
الدكتور عفيف بهنسي:
يرفض علماء التاريخ والآثار المعاصرون استغلال المبدأ التوراتي في تقسيم طبقات الأمم ونسبهم إلى سام وحام ويافث، ويرفضون نظام السلالات الذي أبان أن هذا التقسيم إنما قام على موقف سياسي، وأهم ما يقوض هذا الخبط التوراتي هو وضع الكنعانيين خارج الأسرة السامية، وسبب هذا الخبط يعود إلى نظرة اليهود المعادية إلى الكنعانيين ومحاولتهم الاستيلاء على أرضهم وممتلكاتهم الغنية، في حين ضموا العيلاميين إلى ساميتهم على الرغم من بعدها.
وتعود تسمية السامية التي اختارها العالم شولتزر إلى الوحدة التي تربط اللهجات القديمة، الأوغاريتية والفينيقية والآرامية والعبرية (؟) شفة كنعان كما ورد في التوراة.
لقد كان لاكتشاف الرقم الإبلائية، والجدل في تحديد هويتها سعياً لبحث علماء اللغة عن علاقة لغة إبلا باللهجات الأكادية والكنعانية، وتبين أن اللهجة الإبلائية هي وسط بين هاتين اللهجتين، وأن جميع هذه اللهجات تنتمي إلى اللغة الأكادية الأم، التي تختلف تماماً عن اللغة السومرية. وتبين أيضاً أن العديد من مفردات هذه اللهجات استمر متداولاً في اللغة العربية ولهجاتها قبل الإٍسلام. ويعتمد علماء اللغات ومنهم فرانزرولي في تحديد ألفاظ الكلمات ومعانيها، على الكلمات العربية المتداولة أو الغائبة في طيات معاجم اللغة القديمة.
بقي أن نتساءل عن التسمية الصحيحة لهذه اللهجات. ويرى العلماء أنها تصدر جميعها عن اللغة الأكادية، وهي اللغة الأم الأولى للغة العربية المتداولة حتى اليوم. وبهذا فهي أقدم لغة تعود جذورها إلى بداية التاريخ.
الدكتور محمد بهجت قبيسي:
إن كلمة سام لم تظهر بالنقوش والكتابات القديمة. إنما ورد خبر
"
عرب " في هذه الكتابات.
السامية أصبحت محصورة بالصهيونية وهو مصطلح لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد، وإني أطرح بديلاً عنه هو مصطلح اللهجات العربيات.